21 , أغسطس 2025

القطيف اليوم

الأخّلاء الثلاثة!

ورد عن أمير المؤمنين (ع): إن للمرء المسلم ثلاثة أخّلاء: فخليل يقول له: أنا معك حيًا وميتًا، وهو عمله، وخليل يقول له: أنا معك حتى تموت، وهو ماله، فإذا مات صار للورثة، وخليل يقول له: أنا معك إلى باب قبرك ثم أخليك، وهو ولده (خصال الصدوق ص 170).

من أعظم الدروس والمعارف التي يحتاجها الإنسان هي إدراك حقيقة نفسه والدور الوظيفي له في الحياة بما يتناسب مع فطرته وكرامته، فتأتي مثل هذه التحفة السنية لتوقظ الضمير والوعي الفكري ليرشد النفس إلى طريق إعادة ترتيب الأوراق بعد المحاسبة والتدقيق.

وعلى أساس تقدير المرء لطبيعة الدور المناط به بحسب نظرته للحياة كونها مادية أو جسرًا وامتدادًا للدار الآخرة، وعندما نخاطب العاقل الأريب الذي يعرف وجود حكمة وعدل في خلقته فبالتأكيد أنه يجد أن الحساب والعدالة والمجازاة ستكون في يوم الدين، وعليه ستكون له نظرة وتوجه بما يتعلّق بطريق إدارة حياته (عمل الإنسان).

في الرواية يعبر أمير المؤمنين عن علاقة الإنسان بالدنيا الفانية التي يعيشها والتي تؤطرها علاقات ثلاث قد تكون سببًا في نجاته أو في غرقه، هذه العلاقة يصفها (ع) بالخليل، فما معنى الخليل أولًا لكي نفهم أبعاد العلاقة؟

الخليل يعبر عن الصديق الملاصق للإنسان والملازم له في حياته فيكون سببًا لسعادته إن كان ناصحًا له ومعينًا له على الخير وقد يكون هو الداعي للهلاك والضياع.

وهنا أمير المؤمنين يعبر عن علاقة الإنسان ببعض الماديات كالصديق متى ما أحسن الاختيار كانت خير خليل له وهي علاقته بما يعمل في دنياه لآخرته وعلاقته بأمواله وأولاده.

فكيف يتعامل مع كل علاقة منهم بحيث لا ينحرف عن جادة الطريق ويرى نفسه صفر اليدين من كل شيء؟

أولًا لابد أن يعرف الإنسان هذه العناصر الثلاث معرفة حقيقية ولكل علاقة أو عنصر قيمة تختلف عن الآخر، وأن ديمومتها ليست واحدة فمتى ما عرف ذلك ووازن بينها وأعاد ترتيب أولوية كل علاقة. ووصف تلك العناصر بالأخلاء لأن الخليل من الصعب أن ينفصل عنك وإن انفصل ترك أثره إيجابًا أو سلبًا، وبدأ بالخليل الأكثر التصاقًا بالإنسان وهو العمل حيث يعبر بقوله (أنا معك حيًا وميتًا)، فهي علاقة قوية فلا ينفصل العمل عن الإنسان بموته وخروج روحه إنما تترتب آثار العمل عليه في آخرته، فعمل الإنسان هو الطريق الذي يعبده لحياته الباقية؛ لذا علينا التفكر في كلام الإمام (ع) ونعيد ترتيب أوراقنا في هذه الدنيا ونقيّم أعمالنا، ونتساءل: هل هذه الأعمال هي ما تقربنا من الله ومن جادة الطريق؟

فتكون حياتنا تمهيدًا لطريق يوصلنا لبر الأمان وننعم بحياة سرمدية نهايتها سعيدة، وأن الهوى والشيطان وحب الذات والتعلق بالدنيا شغلنا عن الله وعن طاعته وانقضت حياتنا الدنيا دون بناء حقيقي لآخرتنا.

والخليل الثاني هو المال والعلاقة تنتهي معه بمجرد خروج أرواحنا من هذا الجسد البالي، وبعد أن كنا نملكه ونصرفه لتحصيل حاجتنا أصبح بعد رحيلنا ملكًا وميراثًا وتركة لغيرنا؛ لذا لابد أن نقف لحظة تأمل فهذا المال الذي هو في الأصل مال لله وملك الله: هل وظفناه واستعملناه بشكل يليق بإنسانيّتنا واستفدنا منه بما يرضي الله، أم أنه كان سببًا لنقمة الله وغضبه وسببًا لتفريق الناس من حولنا. 

لذا لابد أن نعيد تفكيرنا في ماهية المال وجمعه بالطرق المشروعة والبعد عن الحرام، وثانيًا: عدم التعلق بالمال والخوف من الإنفاق والتوسعة على أنفسنا وعلى عيالنا ومن هم تحت رعايتنا وفي سبل الخير.

أما الأولاد كالأموال لهم حد معين وتنقطع العلاقة معهم ما إن يُهال التراب علينا في القبر حينئذ تنقطع الصلة المادية بيننا وبينهم، ولكن هذه الصلة يبقى أثرها بحسب ما قدمناه لهم، فإن أحسنّا التربية والمعاملة كان لها الأثر الإيجابي على الأبناء وعلينا، فلا تنقطع ثمارهم عنا وهداياهم التي تصل لنا في العالم الآخر، ولكن إن أسأنا التربية أو كان التعامل معهم تعاملًا بعيدًا عن الوالدية الحقيقية، هنا ماذا ننتظر منهم؟

فتأمل أيها الإنسان في سبب نجاتك والحياة الطيبة في الآخرة من خلال علاقتك بهذه العناصر الثلاثة.


error: المحتوي محمي